اغلاق
اغلاق

كيف يمكن العمل في هذا الحر؟

Wazcam, تم النشر 2023/10/05 15:11

تكشف النتائج البحثية الجديدة، أن الإجهاد الحراري يؤثر على أجسام الذين يعملون، غالبية وقتهم، في الهواء الطلق، مما قد يضر أيضًا بنجاعة العمل. في السنوات القادمة، وفي ظل أزمة المناخ، من المتوقع أن تتفاقم هذه الظاهرة، فهل ستجبرنا الحرارة على بذل المزيد من الجهد في المستقبل؟

 

بقلم: نوعا روبين - زاڨيت

في الأسابيع الأخيرة، تبدو الإقامة الطويلة في الخارج، بعيدًا عن مكيّف الهواء، مهمّة مستحيلة. إن ظروف الحرارة القاسية، والارتفاع المستمر في درجات الحرارة في السنوات الأخيرة، يشعر بها العمال الخارجيون بصورة أكثر حدّة، حيث يقضون معظم يومهم بعيدًا عن مكيفات الهواء، في الطقس الحارق. وفي ظل تلك المعاناة، أعلن مؤخرًا، عمال شركة الارساليات الامريكية UPS، عن إضراب أمام مباني إدارة الشركة، مطالبين بتزويدهم بوسائل الحماية من الحرارة.

انه ليس مجرد شعور نفسي بالصعوبة، فقد خلصت دراسة، نُشرت مؤخرا، من قبل فريق دولي من الباحثين، أن الإجهاد الحراري خلال العمل، يؤثر على أجسام العمال، ويُقلل من نجاعة عملهم، وأنه مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية، كجزء من أزمة المناخ، فإن تأثيرات الحرارة ستجبرنا على العمل بمجهود أكبر لكسب لقمة العيش.

وحللت الدراسة الجديدة، التي نشرت في المجلة العلمية، "Temperature[RW1] "، عشرات الدراسات السابقة، التي شملت معطيات عن آلاف العمال، من 21 دولة، والذين عملوا في 41 مجالًا مهنيًا مختلفًا، حيث قام الباحثون بحساب تأثير الحر على درجة حرارة الجسم، ومعدل نبضات القلب، وكمية السوائل في الجسم.

وجد الباحثون أن تعرض العمال للحرارة المرتفعة خلال العمل في الخارج، يزيد من درجة حرارة الجسم والجلد، ومعدل ضربات القلب، والوزن النوعي للبول، (زيادة في تركيز المواد المذابة في البول، وهو مقياس قد يشير إلى جفاف الجسم)، وأنه مسؤول عن ثلثي الانخفاض في معدلات الأيض (تفاعلات كيميائية ضرورية داخل الجسم). علاوة على ذلك، فإن الإجهاد الحراري، يُضعف من قدرتهم على أداء العمل البدني، لذلك، وكما ورد سابقًا، ففي ضوء تفاقم أزمة المناخ، سيتعيّن على أولئك منا الذين يعملون في الهواء الطلق لأوقات طويلة، بذل مجهود أكبر في العمل، للوصول إلى نفس مستوى الانتاج المتوقع منا.

 

 الجسم يبطئ الحركة لحماية نفسه

"يمكن أن يؤدي الإجهاد الحراري خلال العمل، إلى خطرين أساسيين على الصحة، هما ضربة الشمس والجفاف"، يشرح البروفيسور يوفال حيليد، خبير في علم وظائف أعضاء الإنسان أثناء الجهد، وكبير خبراء وظائف أعضاء الانسان سابقًا في الجيش، ورئيس برنامج درجة الماجستير في كلية العلوم في سمينار هكيبوتسيم.

 

 ضربة الشمس هي حالة من ارتفاع درجة حرارة الجسم فوق 40-41 درجة مئوية، الأمر الذي يترافق مع إصابة في أعضاء مثل القلب والكبد والدماغ، وقد يؤدي حتى إلى الوفاة. حتى عندما لا يكون الإجهاد الحراري قاتلًا، يمكن أن يؤدي إلى أخطار بعيدة المدى، مثل تلف في جهاز مراقبة وتنظيم حرارة الجسم.

إلى جانب ضربة الشمس، هنالك الجفاف، وهو فقدان كبير للسوائل، وقد يؤدي الجفاف إلى تشويش عمل، وحتى تدمير العديد من أجهزة الجسم، مثل الموصلات العصبية والهضم، ويجعل الدم أكثر تخثّرًا، ما يُصعب من تنقّله في جميع أنحاء الجسم (مما قد يضر بعمل القلب، وتبادل الغازات مثل الأكسجين، وبالتالي يضرّ بالعديد من أعضاء الجسم). بالإضافة إلى ذلك، يُضعِف الجفاف قدرة الجسم على تنظيم حرارته. في هذه الحالة، تكون كميات أقل من السوائل في الجسم، وتتضرّر القدرة على التعرّق. يؤدي الجفاف إلى أداء ضعيف للوظائف، وفي حالات قصوى، يمكن أن يكون قاتلًا.

لماذا نصبح عمالًا أقل كفاءة عندما نتعرض لدرجات حرارة عالية؟ "في أدمغتنا هناك جهاز رقابة، يحمينا من أخطار الإجهاد الحراري"، يوضح حيليد. "هذا المراقب يعوق نظام الحركة، الأمر الذي نشعر وكأنه التعب. في الواقع، عندما يزداد الإجهاد الجسدي بسبب الحرارة، فإننا، بشكل طبيعي وغير واعي، نقوم برقابة ذاتية، ونخفض وتيرة العمل من أجل حماية أنفسنا ". وبالفعل، فقد أظهرت الدراسة، على سبيل المثال، أنه في ظل الإجهاد الحراري، تتقلص حركة أيدي العمال، وتصبح أبطأ.

على الرغم من محاولة الجسم حماية نفسه، ما يحصل على أرض الواقع، أنه في كثير من الحالات، يُطلب من العمال إنجاز نفس الناتج، حتى في ظل الحر الشديد، وبما أنهم لا يُمنحون وسائل التبريد، وفي ضوء رغبتهم بالوصول إلى نفس الناتج، حفاظًا على أرزاقهم، فإنهم يتعرضون للعديد من الأخطار الصحية. أكثر من ذلك، فلو كانوا من عمال الإرساليات، على سبيل المثال، ويقضون جزءا كبيرًا من الوقت في القيادة، فإن الإرهاق من الحرارة يمكن أن يزيد من فرص تعرضهم لحوادث السير.

 

انخفاض قدرة الإنسان على مقاومة الحرارة

علينا الإشارة إلى أن الإنسان، في جوهره، هو بالتأكيد مخلوق مصمّم للعمل في الحر. يقول حيليد: "نظام مراقبة الحرارة لدينا، أفضل منه لدى ثدييات أخرى، التي تتعرق أقل منا مثلًا. لقد صُمّمنا لبذل الجهد المتواصل، في درجات حرارة مرتفعة" ومع ذلك، كما يقول، في العقود الأخيرة هناك انخفاض كبير في حصانتنا، ومقاومتنا للإجهاد الحراري. "الآن، نحن معتادون على العيش مع المكيّفات الهوائية، ونسبة السمنة ازدادت، ومعدل الإصابة بالأمراض المزمنة آخذ في الارتفاع، ونميل إلى العيش بأسلوب حياة يغلب عليه الجلوس.. كل هذا يجعلنا أكثر هشاشة وعرضة للاعتلال، ويجعل من الصعب علينا التكيف مع التغيرات البيئية "، ويترافق هذا، كما ذُكر آنفًا، مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية، مما قد يجعل أجسامنا، تُنتج كمية حرارة، تفوق قدرتنا على تبديد تلك الحرارة، الأمر الذي يعرضنا للخطر ويضر بنا.

إحدى النتائج المشار إليها في الدراسة، هي أنه عندما يتعلق الأمر بالنساء، فإن الأخطار الصحية الناجمة عن الإجهاد الحراري أعلى مما هي عليه لدى الرجال. أحد أسباب ذلك، هو أنه من الناحية الجسمانية، قدرة المرأة على مراقبة وتنظيم درجة حرارة الجسم، أقل منها عند الرجال، حيث تتعرق النساء أقل من الرجال، وهنّ أقل قدرةً على تبديد الحرارة. علاوة على ذلك، تظهر الأبحاث أن النساء يملن إلى بذل المزيد من الجهد، وبالتالي ينتجن المزيد من الحرارة، من أجل مساواة إنتاجهن مع الرجال، تجنبًا للظهور بمظهر أضعف من الرجال.

 

منح العمال وسائل الحماية من الحرّ

يعيش موظفو UPS المحتجون في مدينة نيويورك، وهي مدينة ذات مناخ حار ورطب للغاية في الصيف، وتعاني نيويورك بشكل كبير من ظاهرة "جزيرة الحر في قلب المدينة"، حيث تكون درجة الحرارة داخل المدينة أعلى منها على الأطراف، وذلك بسبب كثرة ناطحات السحاب التي تحجب الرياح، وتختزن حرارة الشمس طوال اليوم، وبسبب تخطيط الشوارع طولًا وعرضًا. علاوة على ذلك، فإن الشاحنات التي يسافر فيها العديد من العمال، غير مكيّفة.

 

وفي جميع الأحوال، فإن قصّة موظفي UPS ليست فريدة من نوعها في الولايات المتحدة، وهي تُدلل على مدى الصعوبة التي نواجهنا في حماية أنفسنا، نحن العمال في اسرائيل، من أخطار العمل في ظل التغيّرات المناخية. "بشكل عام، مسألة الصحة والسلامة، بما في ذلك العمل بدرجات حرارة عالية، ليست متطورة جدًا في إسرائيل، واهتمام النقابات العمالية بهذا الموضوع شحيحة "، يقول البروفيسور غاي موندلاك، رئيس قسم دراسات العمل في جامعة تل أبيب، والخبير في قانون العمل. ومن المهم أيضا التذكير، أن العمال في الهواء الطلق، هم غالبا من المستضعفين، ويتلقى الكثير منهم أجورًا منخفضةً، ويأتون من خلفيات فقيرة، (خاصة عمال البناء والزراعة)، ولذلك، قد يخشون الاعتراض على ظروفهم، مما يقلل أكثر من قدرتهم على حماية أنفسهم من الحر.

 

يقول حيليد، وكما تظهر الدراسة أيضا، إن هناك حاجة ملحة لزيادة درجة الأمان في العمل لدى العاملين في الهواء الطلق، وتوفير وسائل مختلفة لحمايتهم من الأخطار المذكورة آنفًا. كيف يمكن القيام بذلك؟ وفقا للباحثين، من المفروض توفير مساحات مكيّفة للعمال، يمكنهم دخولها في مواعيد محدّدة لتبريد أجسامهم قليلًا، بالإضافة إلى تكييف المركبات التي يسافرون بها. خطوة أخرى، هي تزويد العمال بالماء البارد والثلج بشكل متواصل ودائم، وتشجيعهم على شرب الكثير من الماء. بالإضافة إلى ذلك، وفقًا للباحثين، على العمال الانتباه لتوزيع فترات الاستراحة بالشكل الأمثل، الذي يجنبهم الأخطار. وكذلك، كلّما وجدوا أن عددًا معينًا من العمال، لن يكفي لإنجاز المهام المطلوبة منهم خلال الساعات الحارة، فإنهم يوصون بالتفكير جديًا بإضافة عامل آخر. وبالمعنى الأوسع، يقترح كاتبوا الدراسة، سن قوانين، أو عقد اتفاقيات شاملة، من شأنها أن تثبّت حق العمال بالحماية من أخطار الحر.

ويضيف حيليد أن هناك أهمية كبيرة ل "تثقيف" الناس، من العمال أنفسهم، وأصحاب العمل، حول أمرين، هما: أولًا يجب تعريف العمال، وأصحاب العمل، بالأخطار المحدّدة، والجديّة، الكامنة في قضاء ساعات طويلة من العمل تحت أشعة الشمس الحارقة. هذا يمكن أن يشجعهم على شرب الكثير من الماء، وتجنّب الإجهاد المفرط، وثانيًا، يؤكد حيليد، أنه من أجل زيادة قدرتنا على التحمل، ومناعتنا للحرارة، علينا الحفاظ على صحة جيدة ومستوى عالي من اللياقة البدنية.

 العديد من هذه التدابير، تتطلّب من أصحاب العمل رعاية موظفيهم. في الوقت الحالي، لا يوجد إلزام واضح في القانون، يُطلب بموجبه من صاحب العمل معالجة أخطار الحرارة بأي شكل من الأشكال. وفقا للسيد موندلاك، حتى عندما يكون هناك مسؤول للصحة والسلامة في أماكن العمل المختلفة، فإن مجال الأخطار البيئية لا يشغل بالهم كثيرًا، ومع ذلك، ونظرًا لانخفاض نجاعة العمل عند القيام به بالحر الشديد، فإن حماية العمال من الحر مفيد لصاحب العمل، أيضًا من الناحية الاقتصادية.

 

أعدّت المقال زاڨيت – وكالة الأنباء التابعة للجمعية الاسرائيلية لعلوم البيئة

 

heightقد يهمك ايضا