اغلاق
اغلاق

النحلة الأولى: من أين أتى النحل؟

Wazcam, تم النشر 2024/03/12 12:47

كشف بحث جديد، استُخدمت خلاله طرقًا وراثية جديدة، لتتبّع أصول النحل، أنها تطورت منذ أكثر من 120 مليون سنة، في قارّة جنوبية قديمة، تسمى غوندوانا. اليكم مادة للتفكير، الى جانب مرطبان العسل الشهي

 

 

بقلم: راحيلي ڨاكس، زاڨيت

يدعونا العيد لتذوق العسل، الذي نستخرجه من شرائح التفاح.  وكما هو معروف، فإن هذا السائل، حلو المذاق، لا يولد في السوبر ماركت، بل في خلية النحل، الذي تعلم خلال ملايين السنين من التطور، كيفية إنتاجه بالمذاق الصحيح تمامًا. ولكن، من أين أتى النحل في الحقيقة؟

 

 بعد سنوات من الفرضيات والنظريات، تمكّنت دراسة جديدة، أجراها فريق دولي من الباحثين، من حل اللغز، مرة واحدة وإلى الأبد. ووفقًا للنتائج التي توصل إليها، تطور النحل منذ أكثر من 120 مليون سنة، في المناطق حيث تقع اليوم أفريقيا، وأمريكا الجنوبية، عندما كانتا لا تزالان متلاصقتين كقارة واحدة قديمة.

 

في الدراسة الجديدة، التي نُشرت مؤخرًا في مجلة Current Biology، رسم الباحثون خريطة تاريخية، لتاريخ النحل، من خلال مقارنة الشريط الوراثي (جينوم)، لأكثر من 200 نوع من النحل، مع النتائج من 185 حفرية نحل قديمة. وقد تمت مقارنة هذه المعلومات، بمعلومات من الشرائط الوراثية ل- 25 من الدبابير، وهي أقارب بعيدة للنحل. لقد استندت استنتاجاتهم على فحص مئات وآلاف الشرائط الوراثية المختلفة.

 

وجد الباحثون، أن النحل نشأ في غندوانا، وهي قارّة عملاقة، تضم الصفائح التكتونية الموجودة اليوم في الأجزاء الجنوبية من العالم، أي إفريقيا، (بما في ذلك إسرائيل)، وأمريكا الجنوبية، وأستراليا، والقارة القطبية الجنوبية، وشبه الجزيرة العربية، ومدغشقر، والهند الحالية. بدأت هذه القارة في التكون منذ حوالي 600 مليون سنة، عندما انقسمت بانجيا - وهي قارة عظمى تتكون من جميع القارات الموجودة اليوم مجتمعة - إلى قسمين.

 

ووفقًا للدراسة، جاء النحل من غرب غندوانا، أي ما يُعرف الآن بأفريقيا وأمريكا الجنوبية، وتطوّر في المناطق القاحلة من القارة، خلال العصر الطباشيري السفلي، أي منذ أكثر من 120 مليون سنة، جنبا إلى جنب مع الديناصورات.

 

يقول البروفيسورة شارون شافير، مدير مركز أبحاث النحل، ومعهد العلوم البيئية، في كلية الزراعة والأغذية والبيئة في الجامعة العبرية: "من المعروف أنه حتى اليوم، يوجد أكبر تنوّع لأنواع النحل، بالذات في المناطق الأكثر جفافًا وقاحلةً - على عكس العديد من الحيوانات الأخرى، التي يزداد تنوّعها ثراءً، في المناطق الاستوائية، وذلك له علاقة بكون النحل قد نشأ في غندوانا، في منطقة أكثر جفافًا ودفئًا. نحن مثال ممتاز على ذلك. فإسرائيل هي "نقطة ساخنة" للنحل، وهناك تنوّع كبير جدًا من نسبةً لمساحة المنطقة، والعدد الأكبير منها موجود،بالذات، في المناطق الجافة، مثل منطقة النقب".

 

المزيد من النحل - المزيد من الزهور

 

عندما انقسمت غندوانا إلى قارّات مختلفة، انتشر النحل وصولًا إلى أقصى شمال العالم، وبعد ذلك إلى أستراليا والهند. وإلى جانب النحل، تطوّر أيضا مصدر غذائه، بعديد ألوانه وروائحه.. وفقًا للباحثين، قد يكون النحل، هو السبب في أن الجزء الغربي من العالم يتميز بمجموعة كبيرة ومتنوعة من أنواع الزهور. يذكّرنا شافير بقوله: "النحل هو مُلقِّح مهم. وفي إسرائيل أيضًا، هنالك مجموعة كبيرة جدًا من النباتات – انهما متلازمان وأحدهما يأتي مع الآخر".

نحل العسل الغربي (Apis mellifera)، الذي يُنتج العسل الذي نتمتع به في إسرائيل، هو الأكثر شيوعًا، بين عدة أنواع من نحل العسل. بالمجمل، هناك أكثر من 20000 نوع من النحل، (معظمها لا ينتج العسل)، تنتمي إلى 7 عائلات و28 عائلة فرعية.

 

تنضم الدراسة الجديدة، إلى مجموعة من الدراسات السابقة، التي كشفت عن تفاصيل حول تاريخ النحل. من بين أمور أخرى، تم الاكتشاف في الماضي، أن النحل تطور من الدبابير، وأنهم تخلوا عن نمط الحياة كآكلة اللحوم، لصالح جمع الرحيق وحبوب اللقاح من الزهور.

 

يشرح شافير قائلًا: "بمجرد معرفة المزيد عن تطور هذا أو ذاك من الأنواع، ومعرفة مكان نشأتها، وما هي احتياجاتها وكيف تطورت، يصبح بإمكاننا فهم المزيد حول كيفية تخطيط المحميات الطبيعية، بشكل صحيح. علاوة على ذلك، بهذا يمكننا أيضًا استشراف المزيد عن وجهة الأمور، كفهم المزيد حول أي الأنواع سوف تتأقلم، وأيّها لن تتأقلم، في حال أصبحت مناطق معيّنة أكثر برودة، أو أكثر دفئًا، أو جفافًا، بسبب التغيّرات العالمية".

علاوة على ذلك، وفقا لشافير، يكمن جزء من أهمية الدراسة الجديدة، في مساهمتها في المجال المؤثّر، ألا وهو التطور. يقول: "منذ أن نشر داروين كتابه "أصل الأنواع" في عام 1859، تغير العالم بأسره، ليس فقط علم الأحياء وعلم الحيوان، ولكن أيضًا الثقافة، والتاريخ، والفلسفة وعلم النفس.. كل شيء يجري من منظور تطوّري. لقد كانت ثورة عظيمة غيرت العالم، ولذلك، فإن أي بحث تطوّري، يتعمّق في أساليب وفهم الموضوع، انما يساهم في كل هذه المجالات".

 

ليس كل شيء عسلي

من المهم ان نذكر، أنه في الوقت الحالي، ان العسل الذي نأكله، هو ليس بالأمر المفهوم ضمنًا، ولا خدمات التلقيح، البالغة الأهمية، التي يؤديها النحل من أجل غذائنا. فقد انخفضت أعداد نحل العسل بشكل كبير، في العقود الأخيرة، ويقدّر أن حوالي ثلث إجمالي تعدادها، قد اختفت من العالم. في الواقع، وفي بعض الحالات، تحصل عملية هجر لخلايا نحل بأكملها، في ظاهرة تُعرف باسم "اضطراب انهيار المستعمرة". تجدر الإشارة، إلى أن الضرر ليس فقط لنحل العسل، ولكن أيضا لأنواع النحل الأخرى، (كأنواع النحل الطنان). هذا بالإضافة إلى أننا نشهد في العقود الأخيرة، أضرارًا جسيمة لمعظم الحشرات في العالم، حيث تقلصت أعدادها، في الكثير من الدول، بنسبة %90-50 من إجمالي تعدادها.

هذه الأرقام مثيرة للقلق، بالنظر إلى أن حوالي %80 من المحاصيل الزراعية في العالم، تعتمد على التلقيح بواسطة النحل، والتي بدونها، لا يمكن إنتاج الفواكه والخضروات التي نستهلكها.

ويشرح شافير قائلًا: "يحتاج النحل إلى شيئين في الحياة، الأول هو الزهور، لأنها تعتمد على الرحيق، وحبوب اللقاح، كمصادر لغذائها، والثاني هو أنه لا يتم قتلها بالمبيدات الحشرية. فنحن البشر، نقلّص من أعداد الزهور على الكرة الأرضية، لأننا نتوسع بالانتشار بمعدل كبير، ونُزيل المساحات المفتوحة.. وحيث يوجد أعداد أقل من الزهور، ستكون هناك أعداد أقل من النحل. وبالمقابل، نحن نستخدم مختلف أنواع المبيدات الحشرية، والتي تضرّ بالنحل".

إذن، ما الذي يمكننا فعله من أجل حماية النحل، حتى لا تنتهي رحلتهم التاريخية الطويلة في عصرنا؟ يجيب شافير: "من المهم نثر كميلت أقل من السموم، من خلال المزيد من الزراعة البيئية والعضوية، وكذلك على مستوى المنزل، علينا عدم رش الحديقة الخاصة بالسموم، التي تُباع في المتاجر. بالإضافة إلى ذلك، علينا زيادة أعداد الأزهار، سواء كان ذلك من خلال زراعة الأشجار، أو عن طريق نثر بذور الزهور المحليّة. من المهم تشجيع نمو النباتات، التي تُعطي الرحيق، وحبوب اللقاح، للنحل والملقّحات الأخرى، لأن بعض الزهور، مثل الأنواع المخصّصة للزينة، لا تحتوي على الرحيق.

 

بهذه الطريقة، يمكننا مكافحة اختفاء منتجي العسل، والملقِّحات المتفوّقة، وتقليل الأضرار التي تسببنا بها للطبيعة.  ويختتم شافير قائلًا: "لا قيامة لنا بدون الطبيعة".

أعدّت المقال: "زاڨيت" – وكالة الأنباء التابعة للجمعيّة الإسرائيلية لعلوم البيئة.

 

heightقد يهمك ايضا